«لحد انهارده بحلم نفس الحلم: بلعب كورة في ماتش مهم».
— المذيع الرياضي المصري إبراهيم فايق.
أن تصبح لاعباً محترفاً لكرة القدم ليست مجرد حلم بعيد المنال، لكنه في بعض الأحيان أقرب للمعجزة، كما يصفه مايكل كالفين مؤلف كتاب «No Hunger In Paradise».
عند التدقيق، ترى أن إبراهيم فايق وضيفه الفنان المصري كريم فهمي الذي يشارك مستضيفه نفس الحلم، يمكنهم بكل بساطة شرح أسباب مداعبة هذه الفكرة لعقول قطاع عريض من الشباب؛ إذ لا يبحث المذيع وضيفه عن عوائد مادية، ولا شهرة حققاها بالفعل، بل بحث كل منهما في حلمه عن التأثير، أن يكون عنصراً فاعلاً في تحقيق انتصار مهم.
هذه هي الطبقة الأولى من الحلم، الشهرة والأموال والتأثير، لكن الحقيقة هي أننا بمجرد الغوص داخل طبقات هذا الحلم نجد أن تحقيقه ليس سهلاً، تدفع ضريبته كل يوم على هيئة حرمان، ضغط عصبي ونفسي وانعدام للخصوصية إلخ.. ومع ذلك، يبدو المقابل بخساً، إذا ما كانت الجائزة تسجيل هدف في نهائي بطولة مهمة.
لكن ما رأيك إذا ضمنت لك وظيفة ما أن تمتلك جزءاً من هذا التأثير، من دون أن تدفع أي ضريبة؟ دعنا نتعرف على الرجل الذي يمكنه الولوج إلى عالم لا نعرف عنه سوى القليل.
في قصته «حكاية عامل غرف»، يؤكد رسام الكاريكاتير والكاتب الأرجنتيني روبيرتو فونتاناروسا أن مركز رأس الحربة ليس أفضل مركز في كرة القدم، كذلك لا يرى مركز صانع الألعاب جيداً كفاية بالنسبة له، بينما يدعي أن المركز الأفضل هو مركز: عامل غرف الملابس.
في الواقع شرح فونتاناروسا من خلال قصته أسباب هذا الادعاء؛ فوظيفة عامل الغرف بكل ما تتضمنه من التعامل مع أقمصة وسراويل وأحذية لا تزال أفضل بكثير من وظيفة اللاعب أو المدرب. فعلى الرغم من أن عامل غرف الملابس مجهول للجماهير، بل ربما مجهول للغاية، يظل مطمئناً على وظيفته، لن تلعنه الجماهير لإضاعة فرصة مهمة في وقت حساس، ولن تطرده الإدارة لأنه سبب في سوء مستوى الفريق. ومع ذلك، لا يمكن لفريق كرة قدم أن يعمل دون وجوده، لأنه أكثر أهمية مما نعتقد.
في نوفمبر 2022 نشرت قناة ريال مدريد الرسمية على «يوتيوب» مقطعاً مصوراً بعنوان «كيف يعمل عمال مهمات ريال مدريد؟». خلال المقطع يشرح مانولين الذي يعمل في ريال مدريد منذ 30 عاماً طبيعة وظيفته الشاقة، التي يمكن وصفها بتدليل النجوم.
يبدأ عمال غرف الملابس أو المهمات عملهم في السابعة صباحاً كل يوم، أي قبل انطلاق التدريبات بثلاث ساعات كاملة. ويتضمن روتين العمل اليومي تجهيز أطقم اللاعبين، بحسب ما يفضل كل لاعب، إضافة إلى «نفخ الكرات» المستخدمة في التدريبات، ثم إخراج المرمى، الأقماع، وخلافه من الأدوات من المخازن.
يشرح مانولين أنه يكون يتواصل مع مساعد المدرب صباح كل يوم لمعرفة ماهية الحصة التدريبية ومن ثم تقسيم الملعب باستخدام الأدوات طبقاً لأهداف المدرب من الحصة التدريبية. مع ذلك، لا ينتهي دور عمال غرف الملابس عند هذا الحد، بل يستمر دورهم لمراقبة حالة الكرات أثناء التدريب، المساعدة في نقل الأدوات، أو استرجاع أي كرة طائشة سددها أي لاعب خارج الملعب. لا تختلف تحضيرات يوم المباراة كثيراً، إذ يقوم عمال المهمات بتجهيز أطقم اللاعبين وطباعة أسمائهم عليها، وتحضير ملابس المبيت إن كانت المباراة خارج الديار. ويتم ذلك بدقة واستمرارية لا تشوبها شائبة.
من جانبه يرى نيل جونز، عامل غرفة ملابس منتخب إنجلترا، أن التحضير للبطولات الدولية أصعب، إذ يستغرق نحو سبعة أيام كاملة، ويتطلب دراية كاملة بطقس البلد الذي يستضيف البطولة، وسرعة بديهة كافية لحل المشكلات التي قد تؤرق البعثة خارج الديار.
في المقابل، لا يجني عامل غرف الملابس كثيراً من المال نظير عمله الشاق، فعلى سبيل المثال نشرت «Daily Mail» البريطانية متوسط رواتب عمال المهمات في بطولة «تشامبيونشيب» الإنجليزية، الذي بلغ في 2020 نحو 33 ألف إسترليني في السنة، أي تقريباً ما يتقاضاه اللاعب المتوسط في أسبوع.
«عامل غرفة الملابس هو مركز كل شيء، يربط الجميع، يجب أن يشعر اللاعب بالسعادة حين يلتقيه بالصباح».
— روي كين، قائد مانشستر يونايتد السابق.
في ظاهر الأمر تبدو مسئوليات عامل غرف الملابس عملية جداً، يسهل تعريفها، حتى ولو شملت احتواء رغبة لاعب ما في طي قميص جوارب حظه بطريقة معينة، لكن الحقيقة هي أن الغرض الرئيسي لهذه الوظيفة ليس وظيفياً بقدر ما هو أخوي. لكن من أين خرجنا بهذا الاستنتاج؟ الإجابة بسيطة: السير الذاتية للاعبين والمدربين.
السير الذاتية تحديداً هي الوجهة المثالية للبحث عن أهمية دور عامل غرف الملابس، لأنها عادة تتمحور حول الذات، بينما عادة ما يأتي ذكر عمال غرف الملابس مصحوباً بنبرة من الدفء والاحترام.
في سيرته الذاتية، وصف دينيس بيركامب نجم آرسنال عامل مهمات النادي ڤيكتور أكير بأنه أفضل صديق له في النادي الإنجليزي. كان أكير الموظف الذي حافظ على وظيفته لمدة أكبر من آرسين ڤينجر، رفيقاً لصانع الألعاب الهولندي في رحلات القطار المضنية حول أوروبا، إذ كان يخشى بيركامب ركوب الطيارات.
في حين كان ليس تشابمان أكثر من مجرد عامل في غرفة ملابس مانشستر سيتي، فقبل أن يصمم قميص «Why Always me» الخاص ببالوتيلي، كان قد قرر أن يزور أبناء الفرنسي أنطوان سيبيريسكي مرتدياً زي سانتا كلوز فقط من أجل يمنحهم البهجة في ليلة عيد الميلاد.
وعلى الجهة المقابلة من مانشستر، حاول ألبرت مورجان في أول ظهور حقيقي له للجماهير منع الفرنسي إيريك كانتونا من ركل مشجع كريستال بالاس عام 1995، لكنه للأسف فشل في ذلك.
في نفس السياق، تحدث اللاعب الأيرلندي كيڤين كيليان في سيرته الذاتية عن تخطي دور عامل مهمات المنتخب چوني فالون لوظيفته الرتيبة وتحوله لما هو أشبه بطبيب نفسي، إذ كان أكبر داعميه في الأوقات الصعبة مثل: مساعدته على تخطي أثر مباراته الدولية الأولى البائسة، أو حتى التعامل مع تشخيص ابنته بمتلازمة داون.
تنبع العلاقة الأخوية بين اللاعبين وعمال المهمات من حقيقة أن اللاعب لا يرى في هذا الموظف البسيط منافساً على مركزه، ولا مدرباً قد يستبعده من التشكيل الأساسي. لذلك يشعر اللاعبون بالراحة تجاهه، بل يصبح من الطبيعي أن يذهب اللاعب نحو مخزن المهمات فقط ليتبادل أطراف الحديث مع صديقه الذي لن يقوم بالحكم عليه أبداً مهما حدث.
بعيداً عن أضواء أندية النخبة ومتطلبات وظيفة عامل غرف الملابس المعقدة، في الدرجات الأدنى، قد يقوم الموظف المجهول بأي شيء حرفياً من أجل مساعدة الفريق.
في ريكسهام، يعرف عامل غرفة الملابس إيوان بوغ-چونز بـ«رجل كل شيء». في أبريل 2023، تحدث إيوان عن دور جديد له في النادي الإنجليزي، إذ استخدمه فيل باركنسون أثناء تدريبات الكرات الثابتة الدفاعية للفريق كمهاجم للخصم، على أن يدفع اللاعبون 20 جنيهاً إسترلينياً له إذا سجل هدفاً، وهذا ما لم يحدث بكل تأكيد.
بينما يحكي جاري تيلور فليتشر مهاجم لينكولن سيتي أنه أثناء تلقي فريقه محاضرة بين شوطي مباراته ضد هدرسفيلد يونايتد عام 2003 في إياب نصف نهائي منافسات الصعود لدوري الدرجة الثالثة الإنجليزية، انهار بلاط سقف غرفة ملابس هدرسفيلد فوق رؤوسهم؛ لأن أندي بروك، عامل غرفة ملابس الفريق المضيف كان يتنصت لينقل خطة الفريق الضيف للمدرب.
على كلٍ، ليس كل عمال المهمات أبطالاً، وقد لا يكون جميعهم بمثابة أخوة للاعبين، بقدر اهتمامهم بلقمة العيش، تماماً مثل عامل غرفة ملابس بورتسموث الذي رأى في لاعبي فريقه فرصة مادية لا تعوض؛ إذ كانت تسعيرة تنظيفه لملابسهم 60 جنيهاً إسترلينياً كل أسبوع، وهي صفقة جيدة بكل تأكيد.